الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)
وقال: سمعت الشافعي يقول: رضى الناس غاية لا تدرك، فانظر ما فيه صلاح نفسك. في أمر دينك ودنياك، فالزمه.وعبد الرحمن، مؤلف تاريخ مصر المشهور، هو ولد يونس المذكور، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المذكور.ثم دخلت سنة خمس وستين ومائتين:فيها دخل الزنج النعمانية، وسبوا وأحرقوها، ثم صاروا إلى جرجرايا، ودخل أهل السواد بغداد.موت يعقوب الصفار وفي هذه السنة، مات يعقوب بن الليث الصفار، تاسع عشر شوال، بجنديسابور، من كور الأهواز، وكانت علته القولنج، فوصف له الحكماء الحقنة، فلم يحتقن، وكان المعتمد قد أرسل إليه رسولا، وكتاباً يستمليه، ويعقوب مريض، فأحضر الرسول وجعل عنده سيفاً، ورغيفاً من الخشكار، وبصلا، وقال الرسول: قل للخليفة إن مت، فقد استراح مني واسترحت منه، وإنْ عوفيت، فليس بيني وبينه إلا هذا السيف، وإنْ كسرني وأفقرني، عدت إلى أكل هذا الخبز والبصل.وكان يعقوب قد افتتح الرخُج، وقتل ملكها، وأسلم أهلها على يده، وكان ملك الرخج يجلس على سرير ذهب، ويدَّعي الإلهية، وكان يعقوب حازماً عاقلاً، وكان يعمل الصفر في مبتدأ أمره، فقيل له الصفار لذلك. وصحب في حداثته رجلاً من أهل سجستان، كان مشهوراً بالتطوع في قتال الخوارج، يقال له صالح بن النضر الكناني، ثم هلك صالح المذكور، فتولى مكانه درهم بن الحسين، فصار يعقوب مع درهم كما كان مع صالح، وكان درهم غير ضابط لأمور العسكر، فلما رأى أصحاب درهم ضعفه وعجزه، اجتمعوا على يعقوب بن الليث الصفار المذكور، وملكوه أمرهم، فلما تبين ذلك لدرهم لم ينازعه، وسلم الأمر إليه، فاستبد يعقوب بالأمر، وقويت شوكته، واستولى على البلاد، على ما تقدم ذكره، في مواضعه، من السنين.ولما مات يعقوب، قام بالأمر بعده أخوه عمرو بن الليث، وكتب إلى الخليفة بطاعته، فولاه الموفق خراسان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان، وسير إليه الخلع مع الولاية. وفي هذه السنة توفي إبراهيم بن هاني بن إسحاق النيسابوري، وكان من الأبدال.ثم دخلت سنة ست وستين ومائتين:في هذه السنة قتل أهل حمص عاملهم، عيسى الكرخي. وفي هذه السنة كان الناس في البلاد التي تحت حكم الخليفة في شدة عظيمة، بسبب تغلب القواد والأجناد على الأمر، لقلة خوفهم، وأمنهم من الإنكار على ما يفعلونه، لاشتغال الموفق بقتال صاحب الزنج، ولعجز الخليفة المعتمد واشتغاله بغير تدبير المملكة.ثم دخلت سنة سبع وستين ومائتين:في هذه السنة كان بين الموفق أخي الخليفة، وبين الخبيث صاحب الزنج حروب كثيرة يطول شرحها، وكشف الزنج عن الأهواز، واستولى عليها، ثم سار الموفق إلى مدينة صاحب الزنج، وكان قد حصنها إلى غاية ما يكون، وسمّاها المختارة، وحاصرها الموفق، فخرج أكثر أهلها إليه بالأمان، وضعف الباقون عن حفظها، فسلموها بالأمان.وفي هذه السنة ولي صقلية الحسن بن العباس، فبث السرايا إلى كل ناحية.ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائتين وسنة تسع وستين ومائتين:في هذه السنة حالف لؤلؤ غلام أحمد بن طولون على مولاه أحمد بن طولون، وكان في يد لؤلؤ حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة، وكاتب الموفق في المسير إليه، ثم سار إليه.وفي هذه السنة أمر المعتمد بلعن أحمد بن طولون على المنابر، لكونه قطع خطبة الموفق وأسقط اسمه من الطرز، وإنما أمر المعتمد بذلك مكرهاً، لأن هواه كان مع ابن طولون، ولم يكن للمعتمد من الأمر شيء، بل الأمر لأخيه الموفق، وكان المعتمد قد قصد اللحوق بأحمد بن طولون بمصر، لينجده على أخيه الموفق، وسار عن بغداد لما كان أخوه مشتغلاً في قتال الزنج، فأمسك إسحاق بن كنداج عامل الموصل القواد الذين كانوا صحبة المعتمد، وأرسلهم إلى بغداد، وتقدم إلى المعتمد بالعَود، فلم يمكنه مخالفته بعد إمساك قواده، فرجع إلى سامراء.ثم دخلت سنة سبعين ومائتين:في هذه السنة قتل صاحب الزنج لعنه الله بعد قتل وغَرق غالب أصحابه، وقُطع رأسه، وطيف به على رمح، وكثر ضجيج الناس بالتحميد، ورجع الموقف إلى موضعه، والرأس بين يديه، وأتاه من الزنج عالم كثير يطلبون الأمان، فأمنهم، ثم بعث برأس الخبيث إلى بغداد، وكان خروج صاحب الزنج يوم الأربعاء، لأربع بقين من رمضان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر، سنة سبعين ومائتين، فكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام.وفي هذه السنة توفي الحسن بن زيد العلوي، صاحب طبرستان، في رجب، وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وكسراً، وولي مكانه أخوه محمد بن زيد.وفاة أحمد بن طولون:وفي هذه السنة توفي أحمد بن طولون، صاحب مصر والشام، بعد مسيره إلى طرسوس، ورجوعه منها، ولما وصل إلى إنطاكية، قُدم له لبن جاموس، فأكثر منه، فأصابه منه تخمة، واتصلت به حتى صار منها ذرب، حتى مات، وكانت إمارته نحو ست وعشرين سنة، وكان حازماً عاقلاً، وهو الذي بنى قلعة يافا، ولم يكن لها قبل ذلك قلعة، وبنى بين مصر والقاهرة الجامع المعروف به، وهو جامع عظيم مشهور هناك، وولى بعده ابنه خمارويه.وفي هذه السنة توفي محمد بن إسحاق بن جعفر الصاغاني، وداود بن علي الأصفهاني، إمام أصحاب الظاهر، وكان مولده سنة اثنتين ومائتين، وكان إماماً مَجتهداً ورعاً زاهداً، وسمي هو وأصحابه بأهل الظاهر، لأخذهم بظاهر الآثار والأخبار، وإعراضهم عن التأويل، وكان داود لا يرى القياس في الشريعة، ثم اضطر إليه، فسماه دليلاً، وله أحكام خالف فيها الأئمة الأربدة، منها أنه قال: الشرب خاصة في آنية الذهب والفضة حرام، ويجوز الأكل والترضي، وغيرهما من الانتفاعات بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قال: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه، نار جهنم»، وله مثل ذلك كثير.ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين:في هذه السنة جرت وقعة بين ابن الموفق، وهو المعتضد، وبين خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر. آخرها أن المعتضد انهزم هو وأصحابه، وكانت الوقعة بين دمشق والرملة، وانهزم خمارويه إلى حدود مصر، وثبت عسكره، ولم يعلموا بهزيمته، وانهزم المعتضد، ولم يعلم بهزيمة خمارويه.ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين ومائتين وسنة ثلاث وسبعين ومائتين:في هذه السنة توفي محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي، صاحب الأندلس، سلخ صَفَر. وكان عمره نحو خمس وستين سنة، وكانت ولايته أربعاً وثلاثين سنة وأحد عشر شهراً. لأنه تولى في سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وخلف ثلاثة وثلاثين ذكراً، لما مات وليَ بعده ابنه المنذر بن محمد، وبويع له بعد موت أبيه بثلاث ليال. وفيه هذه السنة مات أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، صاحب كتاب السنن، وفيها توفي خالد بن أحمد السدوسي، وكان أمير خراسان، وقصد الحج، فقبض عليه المعتمد وحبسه، فمات في الحبس في هذه السنة، وهو الذي أخرج البخاري صاحب الصحيح من بخارى، فدعا عليه البخاري، فأدركته الدعوة.وفيها توفي الحافظ محمد بن يزيد بن ماجة القويني المشهور، مصنف كتاب السنن في الحديث. وكان إماماً في الحديث، عارفاً بعلومه، وجميع ما يتعلق به، ارتحل إلى العراق والشام ومصر والري، لطلب الحديث، وله تفسير العظيم، وتاريخٌ أحسنَ فيه. وكتابه في الحديث أحد الكتب الستة الصحاح، ولادته سنة تسع ومائتين:ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائتين، وسنة خمس وسبعين ومائتين:في هذه السنة قبض الموفق على ابنه المعتضد، واستمر في الحبر حتى خرج في مرض الموفق الذي مات فيه.وفيها توفي المنذر بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي بن هشام الأموي صاحب الأندلس، في المحرم، وكانت ولايته سنة وأحد عشر شهراً، وكان عمره نحو ست وأربعين سنة، وكان أسمر بوجهه أثر جدري. ولما مات بويع أخوه عبد الله بن محمد.وفي هذه السنة توفي أبو سعيد الحسين بن الحسن بن عبد الله البكري النحوي اللغوي المشهور، صاحب التصانيف.ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائتين:فيها مات عبد الملك بن محمد الرقاشي.ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين:فيها مات يعقوب بن سفيان النسائي الإمام، وكان يتشيع. وفيها توفيت عُريب المغنية المأمونية.ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائتين:وفاة الموفق بالله:فيها توفي أبو أحمد طلحة الموفق بالله بن جعفر المتوكل، وكان قد حصل في رجله داء الفيل وطال به، وضجر، فقال يوماً: قد اشتمل ديواني على مائة ألف مرتزق، ما فيهم أسوأ حال مني، ومات الموفق يوم الأربعاء، لثمان بقين من صفر، من هذه السنة، وكان الموفق قد بويع له بولاية العهد، بعد المفوض بن المعتمد، فلما مات الموفق، اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بن الموفق، بولاية العهد بعد المفوض، واجتمع عليه أصحاب أبيه وتولى ما كان أبوه يتولاه.ابتداء أمر القرامطة:وفي هذه السنة تحرك بسواد الكوفة، قوم يعرفون بالقرامطة، وكان الشخص الذي دعاهم إلى مذهبه ودينه قد مرض بقرية من سواد الكوفة، فحمله رجل من أهل القرية، يقال له كرميته، لحمرة عينيه، وهو بالنبطية اسم لحمرة العين، فلما تعافى شيخ القرامطة المذكور، سمي باسم ذلك الرجل، ثم خفف فقالوا قرمط، ودعا قوماً من أهل السواد والبادية، ممن ليس لهم عقل ولا دين إلى دينه، فأجابوا إليه، وكان ما دعاهم إليه، أنه جاء بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الفرج بن عثمان، وهو من قرية يقال لها نصرانة إنه داعية المسيح، وهو عيسى، وهو الكلمة، وهو المهدي، وهو أحمد بن محمد بن الحنفية، وهو جبريل، وإن المسيح تصور في جسم إنسان وقال: إنك الداعية، وإنك الحجة، وإنك الدابة، وإنك يحيى بن زكريا، وإنك روح القدس. وعرفه أنّ الصلاة أربع ركعات، ركعتان قبل طلوع الشمس، وركعتان قبل غروبها، وأن الأذان في كل صلاة أن يقول المؤذن: الله أكبر ثلاث مرات، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن آدم رسول الله، أشهد أن نوحاً رسول الله، أشهد أن إبراهيم رسول الله، أشهد أن عيسى رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله، والقبلة إلى بيت المقدس، وأن الجمعة يوم الاثنين، لا يعمل فيها شيئاً، ويقرأ في كل ركعة الاستفتاح، وهو المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية، وهو الحمد لله بكلمته، وتعالى باسمه، المنجد لأوليائه بأوليائه، قل إن الأهلة مواقيت للناس، ظاهرها ليعلم عدد السنين، والحساب والشهور والأيام، وباطنها لأوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي، واتقوني يا أولي الألباب، وأنا الذي لا أُسأل عما أفعل، وأنا العليم الحليم، وأنا الذي أبلو عبادي وأمتحن خلقي، فمن صبر على بلائي ومحبتي واختياري، أدخلته في جنتي وأخلدته في نعيمي، ومن زال عن أمري، وكذب رسلي، أخلدته مهاناً في عذابي، وأتممت أجلي وأظهرت أمري على ألسنة رسلي، وأنا الذي لم يعل جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا ذللته، وبئس الذي أصر على أمره، ودام على جهالته، وقال: لن نبرح عليه عاكفين، وبه موقنين، أولئك هم الكافرون، ثم يركع. ومن شرائعه أن يصوم يومين من السنة، وهما المهرجان والنيروز، وأن النبيذ حرام، والخمر حلال، ولا غسل من جنابة، لكن الوضوء كوضوء الصلاة، وأن يؤكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب.ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائتين:في هذه السنة خلع المعتمد ابنه جعفر المفوض ابن المعتمد من ولاية العهد، وجعل المعتضد ابن أخيه ولي العهد بعده.وفاة المعتمد:وفي هذه السنة، أعني سنة تسع وسبعين ومائتين، توفي أحمد المعتضد بالله ابن جعفر المتوكل بن المعتصم، لإحدى عشرة بقيت من رجب ببغداد، وكان قد شرب على الشط وتعشى، وأكثر من الشراب والأكل، فمات ليلاً، وأحضر المعتضد القضاة وأعيان الناس، فنظروا إليه، وحمل إلى سرمن رأى فدفن بها، وكان عمر المعتمد خمسين سنة وستة أشهر، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وستة أيام. وكان قد تحكم عليه في خلافته أخوه الموفق، وضيق عليه، حتى إنّه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت، فقال:
|